شرع العالم، في الحادي عشر من شهر آذار (مارس) من العام 2006، بالاحتفال بيوم الكلى العالمي. وكان التركيز في العام الجاري (2010) على مضاعفات مرض السكري وتأثيره على وظائف الكلى، تحت شعار: "تحكم في مرض السكري واحم كليتيك".
ويأتي التركيز على أخطار مرض السكري ومضاعفاته على الكلى - حسب د. وائل طاهر حبيب، استشاري امراض الكلى وزراعة الكلى بمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة- بسبب الزيادة الهائلة في اعداد المصابين بهذا المرض، وبالتالي ازدياد اعداد المرضى المعرّضين لهذه المضاعفات.
وتكمن خطورة هذا المرض في أن المريض قد يصل إلى حالة الفشل النهائي والحاجة إلى بدء الغسيل الكلوي من دون الشعور بأي ألم. وقد تظهر بعض الأعراض كالإرهاق السريع من أقل مجهود والغثيان والقيء المستمر، ولكن غالبية المرضى يعتقد أن هذه الأعراض ليس لها علاقة بوظائف الكلى.
من هنا، تكمن أهمية المحافظة على نسبة السكر الطبيعية، بالحمية الغذائية والأدوية المنتظمة بالنسبة إلى مرضى السكري، وأيضاً المتابعة الجيدة والكشف الدوري على وظائف الكلى ومعدلات الزلال بالبول، فهي تلعب دوراً مهماً في الحد من خطورة المرض.
ويعتبر ظهور الزلال في البول أولى علامات تأثر الكلى بمرض السكري، وغالباً ما يكون من غير وجود أي أعراض يشعر بها المريض، وهو يسبق بمراحل تأثر وظائف الكلى الدموية.
لذلك، يرى د. حبيب، أن التشخيص المبكر لهذه المشكلة أمر مهم. حيث أثبتت الدراسات أن البدء بتنظيم معدلات السكر واستخدام بعض الأدوية، التي ثبت أنها تحد من تأثر الكلى بمرض السكري، تعمل على حماية الكلى من خلال تنظيم معدلات الزلال البولي وضغط الدم.
أما إذا لم يتم الكشف المبكر عن تأثر الكلى، فإن نسبة كبيرة من مرضى السكري يتعرضون لقصور بوظائف الكلى، وقد يصلون إلى مرحلة الفشل النهائي والحاجة إلى عملية الغسل الكلوي.
ويعتبر الفشل الكلوي من الأمراض التي تترك أثراً سلبياً في حياة الفرد والمجتمع لما لها من تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
من هنا، تأتي أهمية التوعية بهذه المشكلة وأسبابها خاصة الأسباب التي يمكن منعها والسيطرة عليها كمرض السكري. وللأسف، تفتقد معظم المجتمعات العربية هذه التوعية فتجد معظم المصابين بمرض السكري يجهلون أخطاره على وظائف الكلى. وهنا، يأتي دور الطبيب والإعلام للتنبيه لهذه المشكلة وكيفية الوقاية منها.
وتجدر الإشارة، إلى أنه في حال حدوث الفشل الكلوي والحاجة الدائمة لعملية الغسيل الكلوي، فإن خيار زراعة الكلى يعتبر أفضل طرق العلاج.
اعتلال الكلى السكري
ويعتبر اعتلال الكلى السكري (Diabetic Nephro Pathy) الأكثر تعقيداً وأكبر مصدر لمعدلات الوفيات في مرضى السكري.
وأوضحت استشارية أمراض وزراعة الكلى في مستشفى الملك فهد بجدة، الدكتورة نوال أحمد حسن بصري، أن السكري مرض شائع يصيب نحو 245 مليون إنسان في العالم، وأن عدد حالات اعتلال الكلى السكري بلغ نحو 80 مليون شخص في العالم، وأن جسم المريض يكون بطيئاً في استعمال الغلوكوز (السكر) مما يزيد معدله في الدم، فتطرح الكليتان جزءاً من السكر الزائد في البول.
وتكون الإصابات باعتلال الكلى السكري بسبب الاضطرابات، التي ترتبط مع مرض السكري، ومن أهمها إصابة الأوعية الدموية الصغيرة في الكليتين واختلال وظيفة تصفية الدم من الشوائب وتدهور وظائف الكلى، التي تتطور إلى الفشل الكلوي التام.
تأثير السكر على الكليتين
تعمل الكليتان كمصفاة مكونة من مجموعة من وحدات التصفية «الكليونات»، التي تصفي الدم من السموم والفضلات. ويدخل الدم إلى الكليتين عبر أوعية دموية صغيرة تسمى بالأنابيب الشعرية التي تصاب بالانسداد، وبذلك لا يتم تصفية الدم بشكل صحيح وتصبح راشحة فتفقد منها البروتينات، التي يجب أن تبقى بالدم، وتذهب إلى البول مما ينتج عنه الزلال البولي الصفري (Microalbuminuria)، الذي قد يتدرج إلى مرحلة عجز الكلية النهائي.
ولا يظهر تضرر الكلى بالسكري إلا بعد مرور وقت طويل على الإصابة بداء السكري، خاصة في مرضى النوع الأول (نحو 10 - 15 سنة بعد الإصابة بالمرض)، لأن الكلية تعمل بجهد مضاعف للتخلص من جميع السموم والفضلات من الدم، ولكن مع مرور السنين يزداد تضرر الكلية إلى أن تصبح غير قادرة على تحمل العبء، ونتيجة لذلك تبدأ أول أعراض الاعتلال الكلوي السكري، وهو الزلال البولي الصفري. وتقدر كمية الزلال البولي في هذه الحالة بأكثر من 30 ملغم في اليوم والليلة.
كيف يتم الكشف عن الزلال البولي الصفري؟ ومتى يجب الكشف عنه؟
عند مرضى السكري من النوع الثاني، ترى د. بصري أنه يجب فحص البول للتحقق من وجود الزلال الصفري بمجرد اكتشاف مرض السكري.
أما عند مرضى النوع الأول، فيتم فحص البول للزلال الصفري بعد التشخيص بخمس سنوات، ويجب أن يتكرر مرة سنوياً. والطريقة الصحيحة المفضلة لتجميع البول لفحصه من أجل الزلال، يكون عند أول بول في الصباح لتفادي الخطأ الناتج عن اختلاف كمية الزلال البولي. ويجب تجميع البول وفحصه مرة أخرى خلال 3 - 6 أشهر للتشخيص النهائي للمرض على أنه يعاني الزلال البولي الصفري كمرحلة أولى لإصابة الكلى بالاعتلال السكري، عندها يجب القيام بفحص وظائف الكلى وقياس مستوى الكولسترول بالدم.
إن اكتشاف الزلال البولي الصفري يدل على العلامة المبكرة لاعتلال الكلى السكري. وقد بينت الدراسات أن وجود الزلال البولي الصفري عند مرضى السكري يدل على احتمال وجود آثار في القلب والأوعية الدموية أكثر من غيرها، مصاحبة للمرض. وكذلك دلت الأبحاث الطبية على أن مرضى النوع الثاني من السكري تزيد لديهم فرصة الإصابة بمرض شرايين القلب بنسبة ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، إذا كانوا يعانون من وجود كمية ضئيلة من الزلال البولي، أما إذا أصبحت تلك الكمية كبيرة فإن فرصة الإصابة بمرض شرايين القلب تزيد إلى عشرة أضعاف، وهي النسبة نفسها التي يتعرض لها مرضى النوع الأول من السكري.
العلاج
يرى أطباء الاختصاص أنه إذا لم يتم التدخل العلاجي السريع للحالات التي تعاني من وجود الزلال البولي الصفري، فإن 80% من مرضى السكري يزيد لديهم معدل الزلال البولي إلى أن يصل إلى أكثر من 300 ملغم في اليوم، ويتطور ذلك إلى مرحلة المتلازمة الكلوية ومنها إلى القصور الكلوي، وبذلك يصلون إلى مرحلة العجز الكلوي النهائي.
وكما ذكر سابقاً فإن ظهور زلال بولي عند مرضى السكري يدل على أن هناك تغيرات في الأوعية الدموية، التي تقوم بتصفية الدم والتخلص من الفضلات، وكذلك ارتفاع ضغط الدم. وهنا، ينصح باستعمال علاج مثبطات أيس (ace-inhibitors)، التي تستخدم عادة في علاج ضغط الدم المرتفع. وسوف يقوم هذا العلاج بتخفيض ضغط الدم من خلال إيقاف الإنزيمات التي تضيق الأوعية الدموية، وعندما ينخفض ضغط الدم في هذه الأوعية يقل تضرر الكلية وتقل كمية الزلال (البروتينات)، التي تترشح من الدم إلى البول إلى حد كبير.
والخطوة التالية في العلاج هي التقليل من الملح (الصوديوم) وكذلك التقليل من البروتينات الحيوانية حسب نصائح وإشراف الطبيب المعالج واختصاصي التغذية.
الوقاية من الاعتلال الكلوي:
أما عن الوقاية من هذا المرض فهي ممكنة. فقد أثبتت الدراسات السريرية التي أجريت على المصابين بالسكري أن الإصابة باعتلال الكلى السكري تقل كلما قلت نسبة السكر التراكمي في الدم، كما أن الإصابة تقل كلما نقص ضغط الدم، وتقل الإصابة كلما نقصت كمية الكولسترول والدهون في الدم، كما لاحظت هذه الدراسات أن المدخنين أكثر عرضة للإصابة باعتلال الكلى السكري، وأن النشيطين الذين يمارسون الرياضة البدنية بانتظام أقل عرضة للإصابة باعتلال الكلى السكري.
وبناء عليه، فإن المصاب بالسكري يأخذ أكثر حماية من الإصابة باعتلال الكلى السكري إذا حافظ على معدل سكر تراكمي أقل من 7% وعلى ضغط دم أقل من 130/80 ملم زئبق وعلى نسبة كولسترول ضار (LDL) أقل من 100 ملغم/ديسيلتر، بالإضافة إلى ما ذكر للوقاية من الاعتلال الكلوي السكري, قدرة مجموعة دواء مثبطات أيس (ace-inhibitors) على وقاية الكلى من الإصابة بالاعتلال السكري.
أعراض اعتلال الكلى السكري
قد لا يشعر المصاب باعتلال الكلى السكري بأية أعراض على الإطلاق، ولكن يشير أطباء الاختصاص إلى أن هناك بعض العلامات المرضية التي قد تدل على اعتلال الكلى السكري ومراحله الأولية مثل:
ظهور البروتين (الزلال) في البول.
ارتفاع ضغط الدم.
تدهور وظائف الكلى.
حدوث تورم في الكاحلين وآلام في الساقين.
كثرة التبول في الليل.
ويضيفوا أنه عندما يزداد المرض تطوراً وتقل وظيفة الكليتين تدريجياً، يبدأ ظهور العلامات المتأخرة التي تدل على فشل الكلى مثل:
الغثيان والقيء.
ضعف الشهية للطعام ونقص الوزن.
الضعف الجسماني والتعب المتزايد.
التشنجات العضلية في الساقين.
الحكة الشديدة في الجلد.
انخفاض احتياج المصاب للأدوية الخافضة للسكر.
الفشل الكلوي
وعندما يصاب المريض باعتلال الكلى السكري ويستمر ذلك لعدة سنوات، تبدأ وظائف الكلى في التدهور تدريجياً إلى أن يصل المريض إلى مرحلة تعجز فيها الكلى عن القيام بوظائفها. وفي هذه المرحلة، يجب على المريض المتابعة الدقيقة مع الطبيب المتخصص حتى يبدأ بالعلاج المناسب في الوقت المناسب.
وفي حالة الفشل الكلوي النهائي يحتاج المريض إلى علاج تعويضي للكلى، ويتمثل ذلك في إحدى الطرق الآتية: الغسل الدموي ( التنقية الدموية)، الغسل البريتوني (التنقية البريتونية)، زراعة الكلى.
الغسل الدموي (التنقية الدموية): وهي الطريقة الأكثر شيوعاً، وتتم عادة في المستشفيات ويستخدم المريض جهاز الكلية الاصطناعية، التي تحتوي على فلتر (راشح) يعتمد على تنقية الدم من السموم والشوائب. وتستغرق جلسة التنقية عدة ساعات، وتتم ثلاث مرات أسبوعياً ويستمر المريض في إجراء غسل الدم حتى يتمكن من إجراء عملية زراعة كلى.
الغسل البريتوني (التنقية البريتونية): وتتم عملية التنقية داخل تجويف البطن بواسطة محلول التنقية، ويعمل الغشاء البريتوني، الذي يغلف تجويف البطن كالمصفاة، حيث ينقل جميع السموم والشوائب الموجودة في الدم إلى المحلول الموجود في تجويف البطن، بعدها يتم إزالة المحلول عن طريق الأنبوب، ويمكن تدريب المريض على استعمال هذه الطريقة في المنزل.
زراعة الكلى: هي العلاج الأمثل لمرضى الكلى السكري، ويمكن الحصول على الكلية المناسبة للمريض بالتبرع له من أحد أقاربه أو غيرهم، ويلزم إجراء عدة فحوصات طبية للتأكد من عدم رفض الجسم الكلية المزروعة، ولمعرفة مدى لياقة المريض الطبية لإجراء مثل هذه العملية. وبعد إجراء العملية، يحتاج المريض إلى استعمال العقاقير التي تمنع حدوث رفض الجسم الكلية المزروعة وبصفة مستمرة.
كذلك، فإن بعض العقاقير تؤدي إلى زيادة نسبة السكر في الدم، لذا فإن حاجة المريض من الأنسولين تزداد. وبعد إجراء عملية الزراعة يجب السيطرة الدقيقة على مستوى السكر في الدم، وذلك لمنع حدوث إصابة الكلية الجديدة بداء السكري.